هل عملية خفض معدلات الفائدة والأحداث الجيوسياسية يمكن أن تدفع الذهب للارتفاع إلى مستويات قياسية جديدة؟


بحوث XM الاستثمارية
  • الاتجاه الصاعد للذهب يتعرّض لمقاومة قوية؛ ويبدو أن عام 2024 يتسم بمرحلة التماسك العرضي
  • لكن العناصر الداعمة للارتفاع لا تزال قائمة
  • المخاطر الجيوسياسية واحتمال توجه الاحتياطي الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة تعتبر عوامل أساسية لتجديد ضغوط الشراء

 

الذهب يشهد ارتفاعات جديدة في وقتٍ تتوالى فيه الأزمات على مستوى العالم

منذ عام 2020، توالت الأزمات على مستوى العالم، وبالتالي استفاد الذهب جيدًا وشهد ارتفاعات هائلة. بدءًا من جائحة فيروس كوفيد بعام 2020، حتى الحرب الروسية الأوكرانية بعام 2022، وصولًا إلى الأزمة المصرفية الصغيرة التي شهدتها الولايات المتحدة بعام 2023، كلها اضطرابات ساهمت في تعزيز الطلب على أشهر أصل ملاذ آمن بالعالم على مدى السنوات القليلة الماضية.

يعتبر الذهب أقدم وسيلة لحفظ قيمة المال في العالم، إضافةً إلى كونه أحد الأصول الأكثر أمانًا لامتلاكه، ولهذا السبب يندفع المستثمرون للاستثمار في الذهب عندما تجتاح الأسواق المالية حالة من عدم اليقين. مع ذلك، وبجانب الأحداث الجيوسياسية والمخاوف التي تسود الأسواق المالية، يتمتع الذهب أيضًا بعلاقة طويلة الأجل مع السندات الحكومية والدولار الأمريكي. ويعتبر كلاهما أيضًا أصول ملاذ آمن، لذا فهما في منافسة مباشرة مع الذهب.

هل لا تزال العلاقة بين الذهب والعوائد عكسية؟

عندما ترتفع عوائد السندات، فإن ذلك يجعل الاستثمار في السندات الحكومية أكثر جاذبية، وبالتالي يؤثر سلباً على سعر الذهب. كما أن ارتفاع العوائد، وتحديدًا عوائد سندات الخزانة الأمريكية، يمكن أن يكون بمثابة ضربة مزدوجة للمعدن الثمين، لأن الذهب لا يتراجع فقط لأنه لا يدر عائد، ولكن ارتفاع عوائد السندات يزيد أيضًا من جاذبية الدولار الأمريكي.

وبما أن الذهب مقوّم بالدولار الأمريكي، فإنه يصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمستثمرين غير الأمريكيين كلما ارتفعت قيمة العملة الأمريكية، ولهذا السبب علاقة الذهب بالعملة الأمريكية سلبية للغاية.

صحيح أن هذه العلاقات كانت دائمًا هي المحرك الرئيسي للذهب، لكنها باتت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى الآن مع ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والمضاربة على تغيُّرات معدلات الفائدة. ففي نهاية المطاف، ليس من المعتاد أن يرتفع الذهب إلى مستويات قياسية في نفس الوقت الذي ترتفع فيه عوائد السندات الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات.

المخاطر الجيوسياسية

عندما تجاوز الذهب مستوى 2000$ للأونصة لأول مرة في أعقاب وباء كوفيد-19في عام 2020، كانت معدلات الفائدة وعوائد السندات عند أدنى مستوياتها في وقتٍ انخرطت فيه البنوك المركزية العالمية في طباعة النقود. أما خلال الارتفاع الأخير عندما وصل الذهب إلى أعلى مستوياته الجديدة على الإطلاق عند 2135.40$، ارتفعت تكاليف الاقتراض بنحو 500 نقطة أساس في هذه الفترة، وهو ما يعتبر مخالفًا تمامًا لقاعدة العلاقة العكسية بين الاثنين.

ويوضح هذا أهمية المخاطر الجيوسياسية التي يمكن أن تتفاقم في أي لحظة. مع ذلك، هناك عنصر إضافي أدى أيضًا إلى رفع أسعار الذهب مؤخرًا.

 

ارتفاع الطلب من قبل البنوك المركزية

قامت البنوك المركزية بشراء الذهب بكميات قياسية على مدى السنوات القليلة الماضية – وهو الاتجاه الذي تقوده الصين في المقام الأول وتحفزه الرغبة في تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.

من المتوقع أن تبقى العوامل الجيوسياسية واتجاه “تقليل الاعتماد على الدولار في التعاملات المالية العالمية” أحد أهم محفزات الطلب على الذهب في عام 2024، مما يُقدّم الدعم لمشتريه. وفي المقابل قد يتعرّض البائعون لضغوط هذا العام، حيث من المتوقع بشدة أن تبدأ البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض معدلات الفائدة خلال الأشهر القليلة القادمة، مما قد يدفع العوائد والدولار للتراجع بشكل حاد.

 

ما مدى خطورة الرهان على التضخم؟

فهل يعني هذا أن الذهب رابح في كل الأحوال؟ ليس بالضرورة. صحيح أنه لا خلاف على أن سيناريو ارتفاع الذهب هو الأكثر ترجيحًا في الوقت الحالي، لكن هناك أيضًا مخاطر تحيط بتوقعات تيسير سياسة الاحتياطي الفيدرالي.

فلا خطابات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي ولا البيانات الاقتصادية تدعم رهانات خفض معدلات الفائدة بعام 2024. وبما أنه لا يمكن استبعاد خطر الركود بشكل كامل، فإن كل الأدلة تشير إلى إمكانية تباطؤ الاقتصاد الأمريكي بشكل صحي وتدريجي، مما يقلل من الحاجة إلى خفض تكاليف الاقتراض بشكل حاد. فأولئك الذين يعتبرون انخفاض التضخم هو السبب الرئيسي وراء خفض معدلات الفائدة الأمريكية هم على حق، ولكن إلى حدٍ ما فقط.

 

توقعات الأسواق مقابل توقعات الاحتياطي الفيدرالي

وطالما لا يزال النمو إيجابيًا وسوق العمل قويًا، لن يخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة إلا بشكل محدود فقط لأن تيسير السياسة النقدية بشكل أكثر من اللازم بظل مثل هذه الظروف يمكن أن يؤدي بسهولة إلى تحفيز الاقتصاد بشكل مبالغ فيه. وبالفعل قلّلت الأسواق رهاناتها بشأن خفض معدلات الفائدة الفيدرالية، لكنها لا تزال تتوقع خمسة تخفيضات على الأقل بمعدل 25 نقطة أساس على الفائدة، في حين أن أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يتوقعون ثلاثة تخفيضات فحسب. وبالتالي، عوّضت عوائد سندات الخزانة بعضًا من خسائرها، مع توقف انخفاض أسعار النفط الذي أدى إلى تعزيز الانتعاش.

نظرًا لأن توقعات السوق بشأن تيسير السياسة النقدية تراجعت، ومع إمكانية تراجعها أكثر، فإن احتمال أن يلقى الذهب دعمًا إضافيًا من انخفاض العوائد وضعف الدولار لا يبدو مرتفعًا كما هو الحال الآن. لكن ما يمكن أن يغير هذه الصورة هو تدهور سوق العمل.

 

هل المشهد الاقتصادي الأمريكي إيجابي بشكل مبالغ؟

حتى الآن، رغم ارتفاع معدلات تسريح العمال في عام 2023، لم ترتفع معدلات البطالة بشكل ملحوظ. لكن هناك خطر من أن تقوم الشركات بتكثيف عمليات تسريح العمال هذا العام لحماية هوامش أرباحها في بيئة تتسم بانخفاض النمو. وقد أشار كبار صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي بالفعل إلى أنه مع انخفاض التضخم، من المرجح أن يتحول التركيز في عام 2024 إلى تفويض التوظيف للبنك المركزي.

ولكن من المحتمل أن تكون هناك مفاجأة صعودية للتضخم، خاصةً بعد التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط. وقد زادت تهديدات حدوث تصعيد ضخم عقب الهجمات التي شنها الحوثيون اليمنيون على السفن في البحر الأحمر، بالإضافة إلى الضربات الصاروخية الأخيرة عبر الحدود من قبل كل من إسرائيل وإيران.

 

الاحتكاكات الجيوسياسية لا تزال تتصاعد

تصعيد الصراع الجيوسياسي الحالي لن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى توقف دائم في رحلات البحر الأحمر، مما سيُعرِّض سلاسل التوريد العالمية لضغوط أوسع نطاقًا. وسيكون لهذا تأثيرين متعاكسين على أسعار الذهب، حيث أن ارتفاع التضخم من شأنه أن يرفع معدلات الفائدة وبالتالي تؤثر سلبًا على الذهب، في حين أن التوترات المتزايدة من شأنها أن تزيد الطلب على الذهب باعتباره أصل ملاذ آمن تقليدي.

هناك عامل إيجابي آخر قد يستفيد منه الذهب وهو أن أداء الدولار مستقل عن أداء عوائد السندات. وعادةً ما يحدث هذا عندما تتحسن توقعات الاقتصادات الكبرى، مما يقدم الدعم لعملات مثل اليورو والين، ويقلّل جاذبية الدولار.

باختصار، يبدو أن المحفزات التي قد تساعد الذهب مساوية للمخاطر التي قد تواجهه في عام 2024، مع كون إعادة تسعير توقعات خفض معدلات الفائدة الفيدرالية هي أكبر خطر هبوطي عليه، في حين أن تصاعد الأزمات الجيوسياسية يعتبر أكبر خطر صعودي عليه. الشيء الذي يجب ملاحظته هنا هو أن المستثمرين ربما يكونون أقل استعدادًا للخطر الأول من الأخير، مع ذلك، كان هناك بعض الحذر في السوق مؤخرًا.

 

الذهب يبدو في حالة الانتظار والترقُّب

راحت تتحرك أسعار الذهب في مسار عرضي بعد ارتفاعها إلى أعلى مستوى قياسي كانت قد سجّلته في ديسمبر. فيبدو أنها تلقى دعمًا كافيًا حول المتوسط المتحرك لخمسين يوم في الوقت الحالي، ولكن إذا ضعف هذا الدعم وتحول التركيز إلى المستوى الرئيسي 2000$، فسوف يتراجع بعد ذلك إلى المتوسط المتحرك لمئتي يوم للدفاع عن الاتجاه الصاعد للذهب.

إذا نجح المشترون في الحفاظ على المتوسط ​​المتحرك لخمسين يومًا، فقد يدفعون السعر للارتفاع إلى أعلى مستوى كان قد سجّله على الإطلاق عند 2135.40$، مع ذلك، قد يتعرضون لتحديات في المنطقة الواقعة بين أعلى مستوى تم تسجيله في أواخر ديسمبر عند 2088.29$ ومستوى 2100$ للوصول إلى هناك.

وفي كلتا الحالتين، من المحتمل أن تكون هناك محاولة جديدة في منطقة مجهولة في وقتٍ ما، حيث سيرغب المستثمرون في التحرك بحذر حتى يتبع الاحتياطي الفيدرالي مسارًا أكثر وضوحًا بشأن الفائدة، وهو أمر من غير المرجح أن يحدث قبل الربيع.