هل شارفت موجة ارتفاع أسعار الذهب المدفوعة بالأزمة الجيوسياسية على الانتهاء؟


بحوث XM الاستثمارية

  • أسعار الذهب تتراجع مبتعدةً عن المستويات المرتفعة الأخيرة، رغم الانخفاض الحاد لعوائد السندات الأمريكية
  • يبدو أن تدفقات الملاذ الآمن تتراجع مع هدوء المخاوف الجيوسياسية
  • قد يتطلّب معاودة المعدن الأصفر الارتفاع وتسجيله مستويات قياسية جديدة، مرحلة ركود

 

الذهب يعجز عن الاستفادة من تراجع العوائد الحاد

نظرياً، حضرت خلال الأسبوع الماضي جميع العناصر التي عادةً ما يستفيد منها الذهب بشكل كبير. تراجعت العوائد على السندات السيادية الأمريكية بشكل حاد، وتراجع معها الدولار الأمريكي. وهما عنصران عادةً ما يكونان إيجابيين للذهب، ومع ذلك لم يتمكّن هذا الأخير من الارتفاع.

العوائد هي معدلات فائدة تحددها قوى السوق. لا يدفع الذهب أي فائدة لحائزيه، لذلك عندما تتراجع العوائد أو معدلات الفائدة، ترتفع جاذبية المعدن الأصفر. من ناحية أخرى، بما أن الذهب مقوم بالدولار الأمريكي، فإنه يستفيد أيضاً من ضعف الدولار، الذي يجعل شراءه أرخص بالنسبة للمستثمرين الأجانب.

وبالتالي، إن عجز الذهب عن الارتفاع لا بل تراجعه بالتزامن مع هذه التحركات في سوقي السندات والعملات الأجنبية، أمر غريب للغاية. يبدو أن هذه المحفزات الإيجابية قابلتها عناصر سلبية أقوى، على الأرجح على الجبهة الجيوسياسية.

 

لا تصعيد في الشرق الأوسط

في الأسابيع القليلة التي تلت الهجوم على إسرائيل في أوائل أكتوبر، ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 10% مع تزايد الطلب على أصول الملاذ الآمن. وكان المستثمرون يخشون من أن يمتد الصراع ليشمل المنطقة بأكملها ويجرّ إيران إلى الحرب. ويعتبر الذهب الوسيلة الرئيسية للتحوط ضد هذا النوع من المخاطر الجيوسياسية.

لكن الصراع لم يتصاعد. وعلى الرغم من فظاعة الوضع، إلا أنه لم يخرج عن نطاق السيطرة ليشمل الشرق الأوسط بأكمله. لذا يبدو أن المضاربين بدأوا إغلاق بعض مراكز شراء الذهب والتي كانت من المفترض أن تحميهم من حريق الحرب اللهّاب.

ولذلك، فإن تلاشي الطلب على أصول الملاذ الآمن قد يكون وراء الضعف النسبي للذهب. ويدعم هذا الرأي أيضاً التراجع الأخير لأسعار النفط. وقد كانت أسعار النفط ارتفعت أيضًا بظل تصاعد التورتات الجيوسياسية خلال الشهر الماضي وسط مخاوف من انقطاع خطوط شحن الخام. لذا فإن تراجع أسعار النفط يدعم وجهة النظر القائلة بأن المخاوف من أن تمدّد رقعة الحرب تتلاشى.

 

مشتريات البنوك المركزية

إلى جانب اشتعال النيران في إسرائيل، هناك عامل مهم آخر دعم أسعار الذهب هذا العام وهو المشتريات المباشرة من قبل البنوك المركزية، بقيادة المركزي الصيني. وتحاول بكين بشكل أساسي تنويع احتياطياتها، من خلال استبدال بعض احتياطياتها من الدولار أو اليورو بالذهب.

بدأ هذا الاتجاه بعد غزو أوكرانيا. وجمّدت العقوبات المفروضة على روسيا حوالي نصف الأصول الاحتياطية للبلاد. وبطبيعة الحال، تخشى الصين من أن تلقى نفس المصير إذا تدهورت العلاقات الدبلوماسية مع الغرب. وعلى هذا النحو، تشتري بكين الأصول الصعبة مثل الذهب، الذي لا يمكن تجميده بهذه السهولة.

وبما أن “الحرب الباردة الجديدة” بين الولايات المتحدة والصين لا تزال تشتد، وامتدت لتشمل العقوبات على قطاع التكنولوجيا في الآونة الأخيرة، مع حظر أمريكا تصدير رقائق أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، فإن هذا التحول الاستراتيجي نحو حيازة الذهب يمكن أن يمتدّ لعدة سنوات.

 

ماذا يحتاج الذهب لبلوغ مستويات قياسية جديدة؟

أخيرًا، رغم اشتداد موجة التقلبات، بقيت أسعار الذهب عالقة في نطاق عرضي واسع على مدار السنوات القثلاثة الأخيرة، تحديداً بين مستوى 1680$ والمستوى القياسي عند 2072$. وقد تحتاج لمحفز كبير لاختراق هذا النطاق.

قد تكون عودة مخاوف الركود الدافع الأقوى لموجة صعود مستدامة للذهب. خشية المشاركين في السوق من أن تمسي الآفاق الاقتصادية سلبية وضبابية، سيعزز رهانات خفض الفائدة في الولايات المتحدة، ويدفع العوائد للتراجع بشكل حاد، وبالتالي يحفز موجة صعود جديدة للذهب. قد يكون هذا فصل من فصول رواية العام المقبل، حيث بدأ نبض البيانات الاقتصادية في العالم يضعف.

ويمكن لضعف الدولار الأمريكي أن يفي بالغرض أيضاً. فقد سجل الذهب مستويات قياسية جديدة وهو مقوماً بعملات أخرى غير الدولار، كما هو موضح في الرسم البياني أعلاه. وبالتالي، فإن المعدن الأصفر سيستفيد من موجة تراجعات مستدامة للدولار. ومع ذلك، يبدو هذا السيناريو غير مرجح بالنظر إلى أن معظم الاقتصادات في وضع أسوأ من الولايات المتحدة.

في الختام، سيعتمد أداء الذهب على مزيج من التوترات الجيوسياسية، ومسار معدلات الفائدة، والمشتريات المباشرة من البنوك المركزية، وكيفية تطور المشهد الاقتصادي.

وبهذا المعنى، تبدو الأفق في المدى المنظور سلبية إلى حد ما، وسط تلاشي المخاوف الجيوسياسية. ومع ذلك، قد تنقلب الأمور في العام المقبل مع فقدان الاقتصاد العالمي لقوته ودخول بعض المناطق في حالة من الركود، مما يمنح الذهب القوة الكافية للاندفاع نحو مستويات قياسية جديدة.